سورة النبأ - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{عَمَّ} أصله {عن ما} وقرئ بها، ثم أدغمت النون في الميم فصار {عما} وقرئ بها، ثم حذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال في الاستفهام وعليه الاستعمال الكثير، وهذا استفهام تفخيم للمستفهم عنه لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية {يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم من المؤمنين، والضمير لأهل مكة كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ويسألون المؤمنين عنه على طريق الاستهزاء {عَنِ النبإ العظيم} أي البعث وهو بيان للشأن المفخم وتقديره: عم يتساءلون يتساءلون عن النبإ العظيم {الذى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك. وقيل: الضمير للمسلمين والكافرين وكانوا جيعاً يتساءلون عنه، فالمسلم يسأل ليزداد خشية، والكافر يسأل استهزاء {كَلاَّ} ردع عن الاختلاف أو التساؤل هزؤاً {سَيَعْلَمُونَ} وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون عياناً أن ما يستاءلون عنه حق {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} كرر الردع للتشديد و(ثم) يشعر بأن الثاني أبلغ من الأول وأشد.
{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض} لما أنكروا البعث. قيل لهم: ألم يخلق من أضيف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة فلم تنكرون قدرته على البعث وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات؟ أو قيل لهم: لم فعل هذه الأشياء والحكيم لا يفعل عبثاً وإنكار البعث يؤدي إلى أنه عابث في كل ما فعل؟ {مهادا} فراشاً فرشناها لكم حتى سكنتموها {والجبال أَوْتَاداً} للأرض لئلا تيمد بكم {وخلقناكم أزواجا} ذكر أو أنثى {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم والسبت القطع {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً} ستراً يستركم عن العيون إذا أردتم إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه {وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً} وقت معاش تتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً} سبع سموات {شِدَاداً} جمع شديدة أي محكمة قوية لا يؤثّر فيها مرور الزمان أو غلاظاً غلظ كل واحدة مسيرة خمسمائة عام {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} مضيئاً وقّاداً أي جامعاً للنور والحرارة والمراد الشمس {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} أي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، ومنه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض، أو الرياح لأنها تنشئ السحاب وتدر أحلافه فيصح أن تجعل مبدأ للإنزال، وقد جاء أن الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب {مَاءً ثَجَّاجاً} منصباً بكثرة {لِّنُخْرِجَ بِهِ} بالماء {حَبّاً} كالبر والشعير {وَنَبَاتاً} وكلأ {وجنات} بساتين {أَلْفَافاً} ملتفة الأشجار واحدها لف كجذع وأجذاع، أو لفيف كشريف وأشراف، أو لا واحد له كأوزاع، أو هي جمع الجمع فهي جمع لف واللف جمع لفاء وهي شجرة مجتمعة.
ولا وقف من {أَلَمْ نَجْعَلِ} إلى {أَلْفَافاً} الوقف الضروري على {أَوْتَاداً} و{مَعَاشاً}.
{إِنَّ يَوْمَ الفصل} بين المحسن والمسيء والمحق والمبطل {كَانَ ميقاتا} وقتاً محدوداً ومنتهى معلوماً لوقوع الجزاء أو ميعاداً للثواب والعقاب.
{يَوْمَ يُنفَخُ} بدل من {يَوْمُ الفصل} أو عطف بيان {فِى الصور} في القرن {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} حال أي جماعات مختلفة أو أمماً كل أمة مع رسولها {وَفُتِحَتِ السماء} خفيف: كوفي أي شقت لنزول الملائكة {فَكَانَتْ أبوابا} فصارت ذات أبواب وطرق وفروج ومالها اليوم من فروج {وَسُيِّرَتِ الجبال} عن وجه الأرض {فَكَانَتْ سَرَاباً} أي هباء تخيّل الشمس أنه ماء {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} طريقاً عليه ممر الخلق فالمؤمن يمر عليها والكافر يدخلها. وقيل: المرصاد الحد الذي يكون فيه الرصد أي هي حد الطاغين الذين يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم، أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها لأن مجازهم عليها {للطاغين مَئَاباً} للكافرين مرجعاً {لابثين} ماكثين حال مقدرة من الضمير في {للطاغين} حمزة {لَّبِثِينَ} واللبث أقوى إذ اللابث من وجد منه اللبث وإن قل، واللبث من شأنه اللبث والمقام في المكان {فِيهَا} في جهنم {أَحْقَاباً} ظرف جمع حقب وهو الدهر ولم يرد به عدد محصور بل الأبد كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية، ولا يستعمل الحقب والحقبة إلا إذا أريد تتابع الأزمنة وتواليها. وقيل: الحقب ثمانون سنة. وسئل بعض العلماء عن هذه الآية فأجاب بعد عشرين سنة {لابثين فِيهَا أَحْقَاباً}.
{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً} أي غير ذائقين حال من ضمير {لابثين} فإذا انقضت هذه الأحقاب التي عذبوا فيها بمنع البرد والشراب بدلوا بأحقاب أخر فيها عذاب آخر وهي أحقاب بعد أحقاب لا انقطاع لها. وقيل: هو من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه حقاب فينتصب حالاً عنهم أي لابثين فيها حقبين جهدين و{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً} تفسير له. وقوله {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} استثناء منقطع أي {لاَ يَذُوقُونَ} في جهنم أو في الأحقاب {بَرْداً} روْحاً ينفس عنهم حر النار أو نوماً ومنه منع البرد البرد، {وَلاَ شَرَاباً} يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً ماء حاراً يحرق ما يأتي عليه {وَغَسَّاقاً} ماء يسيل من صديدهم. وبالتشديد: كوفي غير أبي بكر {جَزَاءً} جوزوا جزاء {وفاقا} موافقاً لأعمالهم مصدر بمعنى الصفة أو ذا وفاق. ثم استأنف معللاً فقال: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} لا يخافون محاسبة الله إياهم أو لم يؤمنوا بالبعث فيرجوا حساباً {وَكَذَّبُواْ بئاياتنا كِذَّاباً} تكذيباً وفعّال في باب فعّل كله فاش {وَكُلَّ شئ} نصب بمضمر يفسره {أحصيناه كتابا} مكتوباً في اللوح حال أو مصدر في موضع إحصاء، أو أحصيناً في معنى كتبنا لأن الاحصاء يكون بالكتابة غالباً. وهذه الآية اعتراض لأن قوله {فَذُوقُواْ} مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات أي فذوقوا جزاءكم والالتفات شاهد على شدة الغضب {فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} في الحديث: «هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار».


{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} مفعل من الفوز يصلح مصدراً أي نجاة من كل مكروه وظفراً بكل محبوب ويصلح للمكان وهو الجنة. ثم أبدل منه بدل البعض من الكل فقال: {حَدَائِقَ} بساتين فيها أنواع الشجر المثمر جمع حديقة {وأعنابا} كروماً عطف على {حَدَائِقَ} {وَكَوَاعِبَ} نواهد {أَتْرَاباً} لدات مستويات في السن {وَكَأْساً دِهَاقاً} مملوءة.
{لاّ يسمعون فيها} في الجنة حال من ضمير خبر (إن) {لغواً} باطلاً {ولا كِذَّاباً} الكسائي: خفيف بمعنى مكاذبة أي لا يكذب بعضهم بعضاً ولا يكاذبه {جزاءً} مصدر أي جزاهم جزاء {مّن رَّبِّكَ عطاءً} مصدر أو بدل من {جزاء} {حساباً} صفة يعني كافياً أو على حسب أعمالهم {رّبِّ السّماواتِ والأرضِ وما بينهما الرّحمنِ} بجرهما: ابن عامر وعاصم بدلاً من {ربك} ومن رفعهما ف {رب} خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره {الرحمن} أو {الرحمن} صفته و{لا يملكون} خبر، أو هما خبران والضمير في {لا يملكونَ} لأهل السماوات والأرض، وفي {منه خطاباً} لله تعالى أي لا يملكون الشفاعة من عذابه تعالى إلا بإذنه أو لا يقدر أحد أن يخاطبه تعالى خوفاً {يومَ يقومُ} إن جعلته ظرفاً ل {لا يملكون} لا تقف على {خطاباً} وإن جعلته ظرفاً ل {لا يتكلمون} تقف {الرُّوحُ} جبريل عند الجمهور وقيل هو ملك عظيم ما خلق الله تعالى بعد العرش خلقاً أعظم منه {والملائكة صَفَّاً} حال أي مصطفين {لاّ يتكلّمون} أي الخلائق ثم خوفاً من {إلاّ من أذن له الرَّحمانُ} في الكلام أو الشفاعة {وقال صواباً} حقاً بأن قال المشفوع له لا إله إلا الله في الدنيا أو لا يؤذن إلا لمن يتكلم بالصواب في أمر الشفاعة.
{ذلك اليوم الحقُّ} الثابت وقوعه {فمن شاءَ اتّخَذَ إلى ربّه مئاباً} مرجعاً بالعمل الصالح {إنّا أنذرناكم} أيها الكفار {عذاباً قريباً} في الآخرة لأن ما هو آتٍ قريب {يَوْمَ ينظُرُ المرءُ} الكافر لقوله: {إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} {ما قدّمت يداه} من الشر لقوله: {وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم} [الأنفال: 50-51]. وتخصيص الأيدي لأن أكثر الأعمال تقع بها وإن احتمل أن لا يكون للأيدي مدخل فيما ارتكب من الآثام {وَيقولُ الكَافِرُ} وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة الذم، أو المرء عام وخص منه الكافر وما قدمت يداه ما عمل من خير وشر، أو هو المؤمن لذكر الكافر بعده وما قدم من خير. و(ما) استفهامية منصوبة ب {قدمت} أي ينظر أي شيء قدمت يداه، أو موصولة منصوبة ب {ينظر} يقال: نظرته يعني نظرت إليه والراجع من الصلة محذوف أي ما قدمته {يا ليتني كنت تراباً} في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف أوليتني كنت تراباً في هذا اليوم فلم أبعث. وقيل: يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يرده تراباً، فيود الكافر حاله. وقيل: الكافر إبليس يتمنى أن يكون كآدم مخلوقاً من التراب ليثاب ثواب أولاده المؤمنين، والله أعلم.